درس : ازدهار الرأسمالية الأوربية خلال القرن 19م
مقدمة : عرفت الرأسمالية الأوربية ازدهارا كبيرا خلال القرن 19م، هذا الازدهار جاء نتيجة لمجموعة من العوامل، وظهرت ابرز تجلياته في ظهور أشكال التركيز الرأسمالي، كما أسفر هذا الازدهار عن نتائج عدة ساهمت في رسم معالم أوربا في الفترات اللاحقة.
فما هي الرأسمالية فما وما هي مظاهر ازدهارها؟
وما هي انعكاساتها على المجتمع الأوربي؟
I- جاء ازدهار الرأسمالية الأوربية خلال القرن 19م نتيجة لمجموعة من العوامل واتخذ مظاهر متعددة
1- ساهمت مجموعة من المظاهر في ازدهار الرأسمالية الأوربية خلال القرن 19م
الرأسمالية نظام اقتصادي واجتماعي يقوم على حرية الملكية لوسائل الإنتاج وحرية المبادرة والتنافس، وقد ساهمت مجموعة من المظاهر في ازدهار الرأسمالية الأوربية خلال القرن 19م منها:
المظاهر التقنية: شهدت بلدان أوربا الغربية ثورة تقنية (الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية وما صاحبهما من تطور تقني ساهم في الرفع من الإنتاج) تجلت في التوصل إلى مجموعة من الاختراعات خاصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا منها: ظهور السفن البخارية والقاطرات والتلغراف …
المظاهر الكمية: تزامن تطور الإنتاج وارتفاع أسعار المواد نتيجة الطلب المتزايد على المواد الأولية من طرف المقاولات الصناعية.
تطور بنية المؤسسات الصناعية، إذ انتقلت من ورشات منزلية قبل القرن 19م، إلى مؤسسات عائلية قبل أن تنفتح على مصادر التمويل الخارجية مما مهد لظهور الشركات المجهولة الاسم.
تطور الابناك بحيث انتقلت هذه الأخيرة من ابناك عائلية يقتصر دورها على إيداع الأموال وصرفها مع بداية القرن 19م، إلى مؤسسات بنكية عملاقة تستثمر إيداعات الزبناء وتقدم القروض للصناعيين.
2- شكل التركيز الرأسمالي أهم مظاهر ازدهار الرأسمالية الأوربية خلال القرن 19م
يقصد بالتركيز الرأسمالي تركز الأنشطة الاقتصادية يد في عدد محدود من الشركات الكبرى، ويعتبر التركيز الرأسمالي من أهم مظاهر تطور النظام الرأسمالي خلال القرن 19م، وقد اختلفت أشكاله باختلاف طبيعته وأهدافه، ونميز فيه بين نوعين أساسيين:
التركيز الأفقي: هو تجميع عدة مؤسسات تشتغل بمنتوج واحد تحت نفس الإدارة.
التركيز العمودي: هو اندماج عدة مؤسسات متكاملة تساهم في مسلسل صناعة منتوج واحد.
وقد نتجت عن ظاهرة التركيز الرأسمالي مؤسسات اقتصادية كبرى أهمها:
الكارتيل: وهو اتفاق بين عدة مؤسسات تنتج مادة معينة على الحد من المنافسة بينها، وتحتفظ فيه كل مؤسسة بشخصيتها القانونية والمالية.
التروست: مؤسسة تنشأ عن اندماج عدة مؤسسات تحت إدارة واحدة، فتفقد كل الشركات استقلالها وشخصيتها القانونية والمالية.
الهولدينغ (شركات التملك): عبارة عن شركات عملاقة تقوم بشراء أسهم شركات أخرى لا قد تكون مشابهة لها من حيث طبيعة النشاط الاقتصادي.
II- أحدثت الرأسمالية تحولات كبرى داخل المجتمعات الأوربية
1- نتج عن ازدهار الرأسمالية الأوربية عدة تحولات عرفتها الساكنة الأوربية
شهدت أوربا مع بداية القرن 19م تضخما سريعا في عدد سكانها بعد ارتفاع الإنتاج الفلاحي وبالتالي القضاء على المجاعات، وتحسن التغذية وتقدم أساليب الوقاية والعلاج، حيث عرفت الساكنة الحضرية زيادة كبيرة على حساب الساكنة القروية نظرا لاستقبال المدن لعدد كبير من المهاجرين الباحثين عن ظروف أحسن للعيش، نظرا لتوفر المصانع وبالتالي فرص الشغل، حيث تجاوزت %50 من مجموع ساكنة العديد من البلدان الأوربية، ويرجع ذلك إلى كون الحواضر أصبحت تستقطب أكثر فأكثر السكان الأوربيين، نظرا لما توفره من فرص للشغل، مما أدى إلى ظهور مدن مليونية في أوربا خلال هذه الفترة، كبرلين ولندن وباريس.
2- عرفت أوربا تفاوتا طبقيا واضحا
عرف المجتمع الأوربي تباينا اجتماعيا واضحا بين طبقة برجوازية غنية وطموحة تتشكل من رجال الصناعة والمال، وطبقة البروليتاريا (الطبقة العاملة) التي استغلت من طرف البرجوازية في ظروف مهنية ومعيشية مزرية مثل اشتغالهم لساعات طويلة وشاقة مقابل أجور زهيدة، الشيء الذي دفع طبقة البروليتاريا إلى تنظيم نفسها مكونة النقابات، وبعد سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات، أجبرت الدول الأوربية على التدخل لتحسين أوضاع هذه الطبقة عبر إصدار مجموعة من القوانين الاجتماعية مثل حق الإضراب، وإلزامية التعليم، وتحديد ساعات العمل …
خاتمة
إن تطور الرأسمالية الأوربية خلال القرن 19م قد طرح إلى جانب المشاكل الاجتماعية، مشاكل أخرى متعلقة أساسا بتصريف فائض الإنتاج، وفائض الرساميل، مما سيدفع أوربا إلى التفكير في التوسع خارج أراضيها عبر حركات توسعية ستعرف بالإمبريالية الأوربية.